Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

(الحياة اليومية كسياسة: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط؟)

7 Mai 2016 , Rédigé par intelligentsia.tn Publié dans #sociologie

العنوان: Life as politics: How Ordinary People

Change the Middle East?

(الحياة اليومية كسياسة: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط؟)

المؤلف: آصف بيات Asef Bayat

الناشر: دار نشر جامعة أمستردام Amsterdam University Press, Amsterdam

سنة النشر: 2010.

عدد الصفحات: 304 صفحات.

الإشكاليات والقضايا

في محاولةٍ لتنزيل السياسة من عليائها وربطها برجل الشارع، يناقش الكاتب في بابين، وثلاثة عشر جزءًا، خصوصية التغيير السياسي والمجتمعي في الشرق الأوسط، وإستراتيجيات إبداع الجماهير العربية للبقاء على الساحة السياسية، وتعاملها مع النظم السلطوية. ويطرح الكاتب عدة قضايا مهمة تتعلق بخصوصية عملية التغيير السياسي وفواعل التغيير في العالم العربي.

لقد نُشر الكتاب في طبعته الأولى في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين. وتناول إحدى الإشكاليات المهمة التي تشغل بال المواطن العربي في الآونة الحالية، وهي إشكالية التغيير السياسي والمجتمعي في دول العالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط. ويشير الكاتب بدايةً إلى أنّ التغيرات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط تاريخيًا - وبخاصة في المجتمعات التي يقوم فيها الدين بدور كبير، مع التركيز على التحولات الاجتماعية السياسية - قامت بها قوى اجتماعية، وليست قوى سياسية، وجرى ذلك بصورة فردية أو جماعية. ويرصد الكتاب دور كلّ فئة من فئات المجتمع في التغيير والتحول الديمقراطي وسعي تلك الفئات الاجتماعية الحثيث في الحصول على دور أكبر ومركزٍ أفضل في هيكل القوة.

ويشير الكاتب إلى أنّ تلك الفئات العادية من الجماهير أعادت النظر في مفهوم الحركات الاجتماعية ودورها في التغيير؛ إذ رفضت هذه الجماهير الخروج من المسرح السياسي أو تركه للنخبة الحاكمة، سواء كانت نخبة سياسية أو دينية أو ثقافية. بل عملت تلك الفئات الاجتماعية على خلق مساحات سياسية جديدة تستطيع من خلالها رفع أصواتها والتعبير عن احتياجاتها ومطالبها. ولا تكتفي تلك الفئات بالشعارات والاحتجاجات للتعبير عن مطالبها ولكنّها تطوّع ما يمكن تسميته "اللاحركات" الاجتماعية المرتبطة بوسائل رجل الشارع لتغيير هيكل القوة في مجتمعه. وهو ما عدّه الكاتب وسيلة مهمة وجديدة من وسائل التعرّف إلى "فنّ الوجود" على الساحة السياسية، وتخطّي كلاسيكية وجوب إفراز المجتمع حركات اجتماعية قادرة على قيادة التغيير. ويندهش قارئ هذا الكتاب من قدرة الكاتب على تحليل الأوضاع في العالم العربي؛ إذ تنبّأ الكاتب بالتغيير الذي يشهده العالم العربي حاليًا والنقلة النوعية والمنهجية في أساليب التغيير السياسي والاجتماعي.

ويمثّل كلّ جزء من الكتاب جوهر إرهاصات التغيير المرتبطة بأحداث العقد العشرين، والتي تتعلق بالحركات الاجتماعية والمفهوم الجديد الذي أبدعه الكاتب في شرح التغيير في مجتمعات الشرق الأوسط المسلمة، وهو متغير "اللاحركات". ولا يهدف الكتاب إلى التعرّف إلى التغيرات الاجتماعية التي شهدتها تلك المنطقة المعقدة من العالم فقط، ولكن يهدف إلى التوصّل إلى تحليلٍ رصين وشامل للنظريات الاجتماعية المفسّرة للتغيير في العالم، والإضافة إليها علميًا وإمبريقيًا من واقع النموذج العربي.

ومن خلال تأكيده خصوصية منطقة الشرق الأوسط، يوضح الكاتب أنّه لا يختلف اثنان على أنّ المنطقة قد وقعت في حالةٍ من الفوضى خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين. ومن المتغير الأوّل الذي جرت مناقشته، وهو المتغير الاقتصادى، استنتج الكاتب أنّ الشعوب العربية تعاني اللاعدالة التوزيعية في الدخل، والتي اتضحت في تدنّي هيكل الدخول، فضلًا عن الفجوة النوعية في هذا الهيكل مقارنةً مع غيرها من شعوب العالم على الرغم من الأرباح التي تحقّقها عائدات البترول والثروات المعدنية وغيرها من المصادر الاقتصادية في العالم العربي. ولكن تضافرت من وجهة نظر الكاتب، عدة عوامل ساهمت في تدنّي الأوضاع الاقتصادية في هذا العالم؛ منها انخفاض معدل الإنتاج، وفقر البحث العلمي، وعدم انخراط العديد من الأطفال في التعليم، وارتفاع نسبة الأمية، وضعف مستوى الرعاية الصحية. ويطرح الكتاب قضية في غاية الأهمية وسؤالًا ليس من السهل الإجابة عنه، وهو: لماذا تبدو الدول العربية وكأنّها "على درجة من الثراء تفوق درجة التنمية بها"؟ مشيرًا إلى ضعف الهياكل والمنظومة الاجتماعية، وتدنّي مستوى التمكين السياسي الذي يعرقل محاولات التنمية السياسية والاقتصادية.

ويكشف الكاتب الستار عن دور النظم السياسية في العالم العربي في مقاومة التغيير في تناوله المتغير الثاني، وهو المتغير النظمي، مشيرًا إلى أنّ الأنظمة الشمولية في إيران والأردن ومصر والمغرب وشيوخ الخليج، وبخاصة في المملكة العربية السعودية (ممّن لهم علاقات قوية مع الغرب)، يعملون دومًا على إضعاف المطالبات الشعبية بالديمقراطية وحماية القانون ودعم المعارضة، بل يلجأ بعض القوى إلى تبنّي بعض السياسات والإجراءات التي قد تجنح إلى العنف في بعض الأوقات. وليس من المستغرب أن تؤدّي تلك الأوضاع من وجهة نظر الكاتب إلى شعور الغرب بالخوف من أن يتأثّر السلم والاستقرار العالميان في حالة هبوب رياح التغيير على تلك المنطقة.

وتاريخيًا يبين الكاتب أنّ منطقة الشرق الأوسط لم تشهد تلك الدعوة العارمة للتغيير السياسي؛ إذ شهدت كلّ مناطق العالم تغييرًا فيما عدا منطقة الشرق الأوسط، ما أدّى إلى الكثير من التساؤلات الملحّة عن إمكانية حدوث هذا التغيير من عدمه. ولقد رغبت بعض الدوائر العربية وغير العربية في حدوث تغيير ثوري من خلال تحفيز الطاقة الشعبية بهدف تغيير النظم غير العادلة والمطالبة بالتنمية والديمقراطية؛ إذ استطاعت الثورة الإيرانية مثلًا أن تغيّر الديكتاتورية التي استمرت في الحكم لمدة طويلة في فترةٍ لا تتعدّى عامين. ولكن هذا لم يكن من السهولة بمكان. ومع ذلك تنبّأ الكاتب بأنّ تكرار السيناريو الإيراني في المنطقة العربية ممكن.

ويشير الكاتب عمومًا إلى أنّه يصعب التنبّؤ بالثورات وخصوصًا في المنطقة العربية؛ معلّلًا ذلك بأنّ الثورات، أوّلًا: لا تعتمد على تخطيط وإعداد مسبقين، بل قد تتحرك وتتغيّر أحداثها طبقًا للظروف التي تمرّ بها. وثانيًا: عادةً ما تكون ظروف قيام الثورات مزيجًا من العوامل الدولية والداخلية والشعبية النفسية المعقّدة التي يصعب تحييدها بوصفها متغيرًا لفهم الثورات. وثالثًا: يقوم الأكاديميون بتحليل الثورات بأسلوب واحد، بل نادرًا ما يعتمدون على أساليب كمية يمكن التنبّؤ بها أو بنتائجها، حتى أضحى الحديث في عالمنا العربي عن الثورات أمرًا لا يمكن توقّعه. ورابعًا: لا يرغب الكثير في العالم العربي في الانخراط في ثورات دموية، ولا يمكنهم توقّع نتائجها، بل يفضّلون الثورة بالإنابة؛ وهو أن يكونوا أحرارًا بشرط أن يقوم الآخرون بتحمّل تبعات التغيير.

ويتساءل الكاتب: هل هناك رغبة حقيقية في حدوث مثل تلك الثورات؟ ويردّ الكاتب أنّ من عاصر الثورات الدموية يرى أنّها دائمًا ما تكون مصحوبة بالدمار وعدم الاستقرار، فضلًا عن أنّه ليس هناك ضمانة حقيقية في أن يعقبها تدشين نظام اجتماعي جديد وعادل. وحتى في حالة تمكّننا من التنبّؤ بهذه الثورات، يبقى السؤال المطروح هو: هل سيقف من عاش واكتسب الكثير من مخرجات هذه الأنظمة الدكتاتورية مكتوف اليدين ويواصل حياته مع النظم البديلة؟ أم أنّه سيقاوم التغيير ويسرق الثورات؟

وبناءً على ما سبق، يطرح الكاتب إشكاليةً ثانية، وهي: كيف للتغيير الحتمي أن يجري بصورة سلسة من دون اللجوء إلى العنف؟ يؤكد الكاتب أنّ الأمر يحتاج إلى وجود حركات اجتماعية قوية (تضمّ العمال، والفقراء، والنساء، والطلاب، والحركات الديمقراطية الكبرى)، أو أحزاب سياسية حقيقية يمكنها معارضة النظام السياسي وإصلاحه. وبالطبع، انخرط العديد من النشطاء والجمعيات غير الحكومية في هذه الحركات في منطقة الشرق الأوسط، بهدف إحداث تغيير. وعلى الرغم من إمكانية عدّها إستراتيجية جيدة للتغيير، فتلك الحركات لم تصل إلى فرصٍ سياسية حقيقية تستطيع من خلالها التطوير واكتساب قاعدة شعبية تجذّرها على الأرض. فلا يمكن أن تعمل تلك القوى في ظلّ أنظمة دكتاتورية لا تسمح بوجودها. ومن هنا تظهر الإشكالية الثالثة، وهي: كيف يمكن تحفيز من يرزح تحت حكم الديكتاتوريات على أن يتخلّى عن خموله وتتحرك رغبته في التغيير؟

يستمرّ الكاتب في إقرار أنّه من غير المتوقّع أن يكون هناك تخطيط للثورات، مشيرًا إلى أنّ أغلب التظاهرات التي شهدتها البلدان العربية يشعلها الإسلاميون، وتكون في الغالب ضدّ الصهيونية والهيمنة الأميركية، وليس ضدّ الحكومات الديكتاتورية التي يعيشون تحت سلطتها. وبسبب تلك الحقيقة، تؤكّد الدوائر العلمية العربية كما يقول الكاتب، أنّ هناك اعتقادًا في أنّ التغيير يجب أن يحدث من الخارج عن طريق الضغوط الاقتصادية، أو حتى عن طريق التدخل العسكري؛ فإحدى الدوريات المهمة، وهي "التقرير العربي للتنمية البشرية"، أشارت إلى أهمية وجود "حلّ عملي" في التغيير في العالم العربي عن طريق تدخّل الغرب. ويؤيّد تلك الرؤية الدوائر السياسية العالمية التي ترى أنّ الشرق الأوسط لن يتغير. وهي رؤية ليست بالجديدة؛ إذ إنّه منذ القرن الثامن عشر لا يحدث أيّ تغير في المنطقة إلّا من خلال تدخّل الغرب بصورة أو بأخرى. وقد ينطبق الأمر نفسه حتى قبل القرن الثامن عشر؛ فنظرة الغرب دائمًا للعالم الإسلامي والعربي ومنطقة الشرق الأوسط، هي نظرة محافظة تتجاهل أكاديميًا العديد من الحركات السياسية وحركات الإصلاح الاجتماعي، وتستند إلى الاقتراب التاريخي وديمومة تقاليد العرب وعقائدهم. ومن ثمّ لا ترتبط تلك النظرة بالتغيير. وعلى الرغم من تلك الحقيقة نسبيًا، يمكن - في رأي الكاتب - للتغيير أن يحدث، ولكن عن طريق النخبة والجيش أو عن طريق الحروب وتدخّل القوى الخارجية. وتعدّ الحرب التي قادها جورج بوش الابن ضدّ العراق – في ما سمّاه "تغيير النظام" - مثالًا واضحًا على ذلك.

ويدعو الكاتب إلى إعادة النظر في تحليل التغيير في الشرق الأوسط مؤكدًا أنّه بمزيد من التعمق وتبنّي أدوات منهجية جديدة لتحليل إشكالية التغيير في الشرق الأوسط، نرى أنّ منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي شهدت ثورات مقارنةً بمثيلاتها حول العالم؛ إذ تكوّن فيها عدد من الحركات الاجتماعية مثل حركات "الأسلمة"، ولكن لم تحظ تلك الحركات بالاهتمام الكافي لكونها وفقًا للأدبيات الغربية "لاحركات اجتماعية". ولكي يشرح هذا المفهوم، ألقى الكاتب الضوء على مفهوم الأسلمة من خلال بعض الأسئلة المنهجية والنظريات التي تتعلق بكيفية النظر إلى مفهوم القدرة على التغيير في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في الخبرة الإسلامية. ورأى أنّ البعض حاول استثناء تلك المنطقة من المفاهيم المعاصرة لعلم الاجتماع؛ إذ يرى الكثيرون أنّ الأسلمة - على سبيل المثال – ما هي إلا حركة إحياء أو نوع من التعبير عن الولاء أو ما شابه ذلك من المفاهيم. ولكن أعاد الغرب النظر إلى أسلمة الشرق الأوسط، ولم تستثن الأبحاث التي أُجريت في الغرب مؤخرًا مفهوم الأسلمة. بل رأى عدد غير قليل من الباحثين الغربيين الأسلمة جزءًا من نظرية "الحركات الاجتماعية"

ما هي اللاحركات الاجتماعية؟

يشير الكاتب في الفصل الأوّل من الكتاب إلى أنّ مصطلح اللاحركات هو جزء من الأنشطة الجماعية التي يقوم بها أفرادٌ لا ينتمون إلى فئة أو إلى طبقة واحدة؛ فهم يقومون بممارسات مشتركة ينخرط فيها عدد كبير منهم حتى لو كانت هناك منظمات أو مؤسسات تشكّل أنماط هذه الممارسات. وأشار الكاتب في الفصل الأوّل إلى أنّ أنشطة الإسلاميين المتطرفين مثال على هذه اللاحركات، إذ تعبّر عن أحلام معظم الفقراء في الشرق الأوسط وآمالهم. وهو ما دفع الكثير من المحللين إلى أن يفسّروا الحركات الإسلامية في العالم العربي على أنّها نظائر للحركات الاجتماعية المدنية. وهى إحدى الوسائل التي استخدمها المهمشون للمطالبة بحقوقهم. وهو ما قد يعلّل حدوث هذه الحركات في المناطق الفقيرة من المدن بصورة خاصة.

ويذهب الكاتب في الفصل الثاني إلى أنّ الوطن العربي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين دخل نفقًا اقتصاديًا مظلمًا، ولم ير الكثيرون أيّ مخرج منه على الرغم من القدرات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها؛ فعلى الرغم من الدخل الاقتصادي المرتفع، تزايد عدد الفقراء، ولم يكن البحث العلمي أو النظام التعليمي في المستوى المطلوب. ويبدو أنّ إدارة جورج بوش أخذت على عاتقها مهمة تحريك المياه الراكدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فطالبت الدول العربية بالاستغناء عن بعض الكتب الدينية، وتغيير نصوص الكتب المدرسية، وتوجيه الأئمة للتخلّي عن نقد الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها. وفي هذا الإطار، قامت بتغيير نظام الحكم في أفغانستان والعراق، وتجاهلت رأي الكثير من العرب الذين عدّوا التغيير بالقوة أمرًا غير مقبول.

أمّا الفصل الثالث والذي يبرز مؤشرًا أسماه الكاتب "الزحف الهادئ"؛ إذ رأى أنّ تأثير اقتصاديات العولمة في دول العالم العربي، والتي شهدت انفتاحًا على مفاهيم الحرية والديمقراطية، كان واضحًا، وأنّ مظاهر التأثير اتّضحت في الهيكلة الاقتصادية لتلك الدول، والتي ارتبطت بتقليل الإنفاق العام على الجوانب الاجتماعية، والتحوّل الكبير من الاشتراكية إلى الرأسمالية، والذي صاحبه في كثيرٍ من الأحيان مشروطية سياسية.

وعلى الرغم من أنّ الفقراء كانوا أكثر المتضررين من تلك الهيكلة الاقتصادية، فهم لم يقوموا بالتظاهر أو الاعتراض على الأوضاع القائمة. بل ارتضوا أن يعيشوا على الهامش ولم يمثّلوا قوى التغيير في المنطقة العربية. ويتفق الكاتب مع ما أشار إليه أوسكار لويس في حالة الفقراء؛ إذ يشير إلى حقيقة خمول الفقراء وسكونهم ولامبالاتهم بالفقر وتداعياته الاقتصادية، وعدم رغبتهم في التغيير أو عدم قدرتهم عليه، وهو ما أسماه في نظريته بـ"ثقافة الفقر". تلك الثقافة التي يتبنّونها وتَحول بينهم وبين مقوّمات تغيير الأوضاع المتردّية في دولهم.

أمّا الفصل الرابع، فيتناول دور الجمعيات الأهلية الإسلامية في تجذير الرغبة لدى الفقراء لحدوث تغيير في العالم العربي؛ إذ استطاعت الجمعيات الخيرية الإسلامية أن تحرّك الفقراء نحوها بديلًا عن الدولة العاجزة والمتراجعة اقتصاديًا عن أداء دورها. ولقد كان ذلك ممكنًا وبخاصة لأناس اعتادوا على أن ترعاهم الدولة؛ فمعظم الدول الإسلامية كانت قابعة تحت عباءة حكم ديكتاتوري يمنع مشاركة جمعيات العمل الاجتماعي في تنمية المجتمع. ويعتقد الحكم الديكتاتوري أنّ الدولة هي الأساس، وهي التي يجب أن يضحّي الجميع من أجلها بوصفها المصدر الوحيد للحياة. وهي تمنح هذا الحق في مقابل ولاء الأفراد؛ فالدولة تسيطر على أغلب الموارد والقطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تترك سوى جزء بسيط من المجتمع يستطيع الاعتماد على نفسه لكي ينمو ويتطوّر بصورة منفردة. ويبدو أنّ الجمعيات الإسلامية الأهلية وعَت ذلك تمامًا ونجحت في سرقة الولاية على الفقراء من الدولة. ومن ثمّ كانت ثورات ثمانينيات القرن الماضي وتظاهراتها تعبيرًا مبكرًا عن عدم الرضا عن السياسات الليبرالية الحديثة في منطقة الشرق الأوسط؛ فقد حاولت العديد من الدول سدّ عجز ميزانياتها عن طريق الحدّ من الإنفاق العام وما شابه ذلك من أساليب. ولكن أدّى ذلك إلى خرق العقد الاجتماعي بين الدول وشعوبها. ومن ضمن الأساليب التي حاولت الشعوب من خلالها الحفاظ على حقوقها والمطالبة بالمزيد، كانت النقابات العمالية؛ فهي تستطيع الاستجابة بسرعة وبانتظام للممارسات غير العادلة التي تمارسها الدولة. وقد ظهر دور هذه النقابات أثناء فترات الاستعمار الأجنبي لهذه البلاد. ويعدّ توسّع عمل الجمعيات الخيرية الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، تأكيدًا للرغبة في التوجّه نحو أسلمة المنظمات غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط.

http://www.dohainstitute.org/release/bc1f3998-a96f-4bd5-a836-cc3c9b9b4770

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article